الرأي العام

* ما هو الرأي العام

عادة يعرف الرأي العام من خلال منظور ضيق , في أنه إجابات الناس عن أسئلة منظمين استطلاعات الرأي , و ذلك في شأن الأمور العامة , إلا أن حقيقة الرأي العام أكثر تعقيدا من ذلك , حيث تنطوي على خليط دائم التغير من الأفكار و المشاعر و السلوكيات , و تتدرج التأثيرات التي تشكل خليط من خبراتنا في مرحلة الطفولة , و إلى آخر ما نقوم في إجرائه من محادثات , و من أعظم هذه التأثيرات , هو ذلك السيل الجارف من الرسائل , و التي نتلقاها من نشرات الأخبار اليومية .

و كما هو الحال في النسبة إلى المفاهيم المهمة في الاتصال و الصحافة , مثل الجمهور و العرض الإعلامي , إن التوصل إلى إتفاق في شان تعريف الرأي العام , قد أثبت أنه أمر شاق , و إحدى السبل في سبر أغوار هذا المفهوم المعقد , هو من خلال تقسيم التعريف إلى قسمين , هما (الرأي) و (عام) , و اخذ كل قسم على حدة , و المقصود في مفهوم العام , في اعتبار العام هو نقيض إلى التجمهر و التجمع , و المقصود هنا هو جماعة محددة في شكل جيد , و لها حدود واضحة و تشارك في فاعلية في حوارات تختص في شأن القضايا الرئيسية , و التي تؤثر هذه القضايا على الجماعة و المجتمع .

و الهدف الأساسي من مفهوم (العام) , هو الوقوف على وفاق معقول يسمح في عمليات متنوعة , من أجل إتخاذ القرار في بغية التحرك إلى الأمام , مع الحفاظ على تماسك الجماعة و المجتمع على المدى البعيد , و الأمر المهم هو أن الرأي العام لا يتكون من فرد واحد , و في التالي إن تكوين الرأي العام , هو عملية اجتماعية تواصلية .

* الإعلام الإخباري

- بيئة الاتصال المتغيرة

على الرغم من الجدال الذي يدور بين الحين و الآخر , حول مدى التاثير الذي تحدثه الأخبار , على العديد من القضايا , إلا أن هناك خلافا ضئيلا حول الحقيقة , في أن هناك تغير عميق في المشهد الإعلام الإخباري في العقد الماضي من الزمن , و إذا ما اعتبرنا أن الاجيال السابقة , كانت على صلة وثيقة في الشؤون العامة , و إذا كان متاح لها الوصول إلى العديد من الشبكات التلفزيونية الإخبارية الوطنية , و القنوات المحلية التابعة لها , وشبكات الإذاعة الحكومية , و الصحف المحلية , و محطات الأخبار الإذاعية , و إن المهتمين و المتابعين على متابعة الأخبار , الآن يمكنهم الوصول إلى آلالاف المنافذ الإعلامية المهتمة في الشؤون العامة , و في كل يسر و سهولة , و في أقل تكلفة .

- المؤسسات الإخبارية التقليدية

1 - الصحف

ليس سرا أن الصحف اليومية تعاني اليوم من تدهور شديد , من حيث عدد القراء و نسبة الربح منذ عقود من الزمن , و في عام 2006 , وجد مركز (بيو) لأبحاث العلاقة بين الناس و الصحافة , أن ما يقرب من 40% فقط ممن اجريت عليهم الدراسة , هم كانوا يداومون على قراءة الصحف , ثم تقلصت هذه النسبة إلى 34% , و عندما تم فصل قراءة النسخة المطبوعة عن النسخة الإلكترونية , تبين ان المشاركين في الدراسة , قد انخفضت نسبة القراءة إلى الصحيفة إلى 18% .

و في مقارنة مع عام 1970 , كان عدد قراء الصحف اليومية في الولايات المتحدة الامريكية نحو 78% من الشعب الامريكي .

مع هذا تخوض صناعة الصحف اليوم حرب على جبهتين , الأولى هي التركيز على وقف خسائر الصحيفة من النسخة المطبوعة , و الثاني هي إثبات وجود هذه الصحف على النسخة الإلكترونية .

2 - التلفزيون

لقد ولت هيمنة الشبكات التلفزيونية منذ زمن بعيد , حيث التدهور الشديد في الإقبال على الشبكات الإخبارية المسائية , كل هذا أدى إلى إحداث تغيرات واسعة في ديناميكية أقسام الاخبار , في تلك المحطات التلفزيونية الإخبارية , و على الرغم من أن الجمهور المتابع إلى برنامج إخباري مسائي , يمكن أن يصل إلى 8 ملايين مشاهد , إلا أن هذه النسبة انخفضت في البرامج التي توفر معلومات خاصة في الشؤون العامة , و الخسارة في نسبة الجماهير أدت إلى خسارة في الربحية و التأثير , و من أجل ذلك اتجهت الاقسام الإخبارية في شبكات المحطات التلفزيونية , مثل NBC , ABC , CBS , إلى اتخاذ قرارات في تقديم أشكال خفيفة من الأخبار و المعلومات , مثل برنامج توداي شو , و الذي تقدمه محطة NBC أو برنامج (صباح الخير يا أميركا) , و الذي تقدمه قناة ABC و ذلك بدل الأخبار الرئيسية الجادة , حيث أن البرامج الترفيهية , و الأشكال الطريفة من البرامج , هي الاكثر ربحية , و هي التي تقود وسائل الإعلام اليوم .

3 - الراديو , الإذاعة

يتعلق المحتوى الخاص في الشؤون العامة في مسالة الرأي العام , ما هو أكثر من مجرد التحرير التقليدي إلى الاخبار , إذ ان التغير الرئيسي الذي طرأ على مجال الراديو , هو ظهور البرامج الحوارية المحافظة , و هناك رغبة في تقديم برامج حوارية لها ميول إلى كل ما هو محافظ , و يلاحظ أن وسيلة الراديو تميل في وضوح إلى اتجاه ايدولوجي واحد فقط .

- الشؤون العامة و البرامج الترفيهية

لقد اصبح الإعلام الترفيهي , و الذي يقوم ايضا في تغطية الشؤون العامة و مناقشتها , اصبحت ظاهرة رئيسية في السنوات الاخيرة , و هناك مجموعة برامج تلفزيونية ذات طابع ترفيهي , و التي تقدم تغطية سياسية أيضا .

لقد لعبت قوى مختلفة كثيرة في هذا الفصل الغريب من تاريخ الصحافة و الإعلام , من حيث علاقتها في المحتوى القائم على الترفيه , و الأول هو في كل ما يتعلق في الجمهور , و الأجيال الشابة على وجه التحديد , يعرف عنها أنها تتأثر في شكل كبير في برنامج ديلي شو , و البرامج التي تشبه هذا البرنامج , و تشير بعض الإحصائيات , إلى أن اغلب الناخبين الشباب , يحصلون على معظم المعلومات عن الشؤون العامة , من خلال هذه البرامج , و التي تقوم على الترفيه .

* تحرير الأخبار

تبدو مهمة الصحفين مهنة بسيطة من الناحية الظاهرية , الصحفيون يجمعون المعلومات , و ينظمون هذه المعلومات في أسلوب منطقي , و مستخدمين قواعد لغوية سليمة , و أسلوبا مناسبا , و ثم ينقلون تلك المعلومات عبر وسيط يسهل الوصول إليه , من جهة المستهلكين , و كلمات مثل كلمة , (اجمع) , و (أرسل) , و (أبحث) , تبدو كلمات في غاية البساطة .

و على أية حال تعتبر مهنة الصحفي أكثر تعقيدا من ذلك في كثير , و هناك العديد من العقبات التي يجب على الصحفي تخطيها , و التي تشمل التاثيرات القادمة من العديد من المصادر , و الضغوط التنظيمية من داخل المؤسسات الإخبارية و خارجها , و تشكل هذه الضغوط هرما من التأثيرات , و التي تتألف من خمسة أنماط من التأثير على الاخبار , حيث تعتمد خلفية الصحفي , و روتين العمل , و المؤسسة الإعلامية , و المؤثرات الخارجية , و المجال الإجتماعي و الثقافي الذي يعمل به الصحفي .

و في النظر إلى السوق الذي تخدمه المؤسسات الإعلامية , حيث وجد أن هناك فروق بين الصحفي الذي يعمل في محطة شبكة إخبارية تلفزيونية , و بين صحفي يعمل في محطة تلفزيون محلي , من حيث أسلوب إنتقاء الاخبار الدولية , حيث تظهر الأخبار الدولية في المحطة الإخبارية , من خلال نظرة عالمية شاملة و أفكار متنوعة , في حين أن صحفي التلفزيون المحلي يكون على النقيض من ذلك , و يختار الأخبار الدولية من زاوية أو نظرة محلية , و ربما بناء على طلبات الجمهور المحلي , أو ربما من خلال ضغوط رجال الأعمال .

* الثقة في الأخبار

الكل يعلم ان مصداقية المصدر تعتبر عاملا أساسيا في الاتصال , و لقد تصور (أرسطو) أن مصداقية الخبر تتكون من ثلاثة أبعاد , و هي الشخصية , الكفاءة , الحماس , و عادة ما تتمركز هذه الأبعاد الثلاثة في قلب العديد من التقاليد البحثية , و هذه الخاصية المهمة إلى المصدر تتضح من محتوى الرسالة , و هناك دليل عملي على أن تقرير المستلم إلى مصدر الرسالة , يؤثر على المردود الشامل في الرسالة .

لقد ركز علم الصحافة و الإعلام و على مدار عقود طويلة من الزمن , على مصداقية الأخبار في خصوص عدد من القضايا , و جوانب الديمقراطية و حرية تبادل المعلومات , حيث تم تناول قضية مصداقية الاخبار من أكثر من منظور بحثي ممنهج , حيث تستخدم بعض الدراسات البحث المسحي , من أجل التركيز على تصور الجماهير إلى مصداقية الخبر الإعلامي , في حين تستخدم ابحاث آخرى اساليب تجريبية معينة في دراسة تأثير الهياكل البديلة إلى الرسالة الإعلامية , على تكوين تصورات متعددة عن مصداقية الخبر , و في الإضافة إلى ذلك , هناك تحليلات إلى أبعاد مصداقية الخبر , و التي تعكس رؤية ثقافية ناقدة , كما أن الاتجاه متعدد الأساليب الذي يبحث في مصداقية الخبر , قد أدى إلى العديد من النتائج البحثية , و التي توصف في أحسن الاحوال , على أنها نتائج

متفاوتة و غير دقيقة .

إن النتائج البحثية غير المنسقة في خصوص مصداقية الخبر , يمكن أن ترجع في شكل كبير إلى الإفتقار إلى تعريف تصوري واضح لها , إذ يقدم (شيام سندر) تعريف موجز لها , و هو أنه تقييم عام إلى موضوعية الخبر , في حين يركز (إيرك بوس) على مفهوم (إمكانية التصديق) عند مناقشة مصداقية مصدر الرسالة أو الخبر , و عند تعريف مصداقية الخبر , يتفق هذان البعدان في شكل كبير مع بعد الشخصية و بعد الكفاءة , في مصداقية المصدر الموجود في أدبيات الإقناع , في حين أنه أولى اهتمام ضئيل في البحوث الخاصة في مصداقية الخبر إلى بعد الحماس .

* تشكيل الآراء

على الرغم من الأدلة الدامغة على التأثير المعرفي إلى الإعلام الجماهيري على الرأي العام , إلا أن دور الأخبار في تشكيل آراء و اتجاهات المواطنين في الديمقراطية , ظل هذا الاهتام أساسيا طيلة تاريخ البحث في الاتصال الجماهيري , و في الحقيقة تركز على الكثير من العمل الخلاق في هذا المجال على هذه المسألة , و هي مسألة لا زالت على قدر كبير من الأهمية حتى يومنا هذا .

و على الرغم من عدم وجود إطار نظري يؤكد هذه العلاقة البسيطة إلا أن الباحثين قد اطلقوا عليها (نموذج الإبرة تحت الجلد) , و الذي يتخذه الإعلام الجماهيري , و قد أختبرت دراسات (لازارسفيلد) إلى حد ما الفرضيات القائمة على هذا النموذج الخيالي , و ذلك من خلال محاولة التعرف على مردود متابعة الراديو و مطالعة الصحف , على أولويات الناخبين أثناء الإنتخابات الرئاسية , و على عكس ما كانوا يتوقعونه , و جدوا أن الإتصالات فيما بينهم تحدث المزيد من التأثير على تغيير أولويات الناخبين , و التي تعني التحول من مرشح إلى مرشح آخر , و هو أكثر مما يحدثه الاتصال الجماهيري , و خلصوا في النهاية إلى أن دور الإعلام الإخباري , هو دور التعزيز و ليس دور التغيير .

* تأثير الاخبار على الحياة المدنية

يلعب الإعلام الإخباري دورا محوريا في تشكيل الرأي العام , و يعمل على تيسير التعبير عن الرأي العام في أساليب عديدة , و كي يكون لدينا هذا الفهم الشامل , إننا نبدأ في المستوى صفر , و هو خبرة كل فرد مباشرة في الإعلام الإخباري , و من أجل تكوين الخبرة , يجب الفصل بين التعرض إلى الإعلام و الاهتمام في الإعلام , و استخدام الإعلام , و يعني التعرض إلى الإعلام حرفيا , هو التعرض المادي أو المشاهدة إلى القناة الإخبارية , و يمكن إلى هذه الخبرة , أن تندرج في التواجد في مكان يذاع فيه برنامج إخباري تلفزيوني , أو مقتطفات إخبارية عبر الصفحة الإلكترونية , او قراءة الصحف أثناء تناول وجبة الأفطار , و هناك فروق كبيرة في خبرة الناس مع الإعلام الإخباري , حيث يتعرض بعض الناس إلى الأخبار مرات عديدة في اليوم , و قد يولي هؤلاء الناس هذه الاخبار اهتماما كبيرا , أو مجرد اهتمام سطحي , و على الطرف الآخر يحاول بعض الناس تجنب الأخبار في أقصى ما يستطيعون , و في التالي إن هذه الفروق الفردية في الإعتبار أصبحت اكثر أهمية في فهم الإختلافات في , مفهوم الاستخدام , و الرضا , و الذان يعتبران أساسا نفسيا في تفاعل الناس مع الإعلام الإخباري , و قد يتابع شخصان في اهتمام نفس المناظرة السياسية على التلفزيون , و لكن الاول قد يفهمها من منظور الصراع السياسي , و الآخر قد يراها مصدرا إلى المعلومات , عن الأشخاص في المناظرة , و مواقف المرشح إلى قضايا معينة .

و تعتمد المعرفة عن طريق الإعلام الإخباري على طائفتين مختلفتين من العوامل , و هما الفروق الفردية بين المواطنين , و أسلوب التقارير و البرامج الإخبارية , و التي تقدم معلومات عن الشؤون العامة , حيث يؤثر كل من العاملين على الطريقة التي يتعلم بها الأفراد من الأخبار , و نوعية المعلومات التي يكتسبها هؤلاء الأفراد , و تعتبر الدافعية عاملا ملائما في اكتساب المعرفة المدنية , و الدوافع التي تؤدي إلى التعرض إلى الأخبار و الاهتمام بها , تتدرج هذه الدوافع من دوافع عامة , مثل الإحساس في الواجب , إلى دوافع خاصة , مثل الشعور في الرضا النفسي المرتبط في موضوعات معينة , و يعتبر التعليم أيضا أمرا مهما , في حيث يخلق التعليم مكاسب معرفية كبيرة , حتى مع وجود مستويات متماثلة من الخبرة الإعلامية , و الأفراد ذوي المستويات العليا في التعليم , يتعلمون من الإعلام في معدل أسرع من الأفراد ذوي المستويات الدنيا من التعليم .

#الرأي