العلم في مواجهة المادية
- Maan Bayya
- Apr 3, 2019
- 5 min read
يعتبر كتاب ج . سوليفان (G.W.N Sulivan) , حدود العلم (Limitation of Science) , واحد من الدرسات المعاصرة الرصينة , و التي تناولت في التحليل قدرة العلم البشري , و الآفاق التي تمكن العلم من الوصول إلى بعضها , و أيضا الظواهر الآخرى التى وقف العلم عاجزا في الوصول إلى تفسير أسبابها .
و (سوليفان) يُذكر في كتاب الطبيب الفرنسي الشهير (الكسيس كاريل) , (الإنسان ذلك المجهول) ,
(Man the unknown) , كلاهما (سوليفان) و (كاريل) سبر غور العلمية العقلانية في الإنجاز العلمي , و كلاهما أيضا مارس تحليل العلمية العقلانية في عمق و رؤية .
لكن الزمن يمضي , و معطيات العلم الغزيرة تزداد تدفق و عطاء مثل أمواج البحر , و يتبين يوم بعد يوم و سنة بعد سنة و عقد بعد عقد , أن ما كان في الأمس حقيقة , أصبح اليوم باطلا , و ما هو مقبول اليوم سوف يكون غدا باطلا .
و يبقى العلم يد واحدة لا تستطيع أن تمضي الحياة قدما و صوب الكمال , و تبقى الحاجة ملحة إلى اليد الآخرى و هي يد الدين أو المعتقدات الدينية , هذا إذا ما أرادت البشرية التحرك نحو جادة الصواب , و الوصول إلى درجة إرتقاء الجنس البشري .

و تبدو التفسيرات العلمية للعالم من حولنا , كما يقول (سوليفان) أشد ما تكون وضوحا و إقناعا عندما تتناول المادة الجامدة , و في هذا المجال تبدو التفسيرات مقبولة إلى درجة كبيرة , لأنها على العموم تعالج الظواهر المادية و ترضي فضولنا , في العمر و الحجم و السرعة و التركيب الكيميائي , و عندما نأتي إلى العلوم التي تعالج الظواهر الحية , نجد الأمر هنا مختلف , و حالة الرضى أقل مما عليه في النسبة إلى العلوم الطبيعية , و الكثير من الأسئلة التي تبدو لنا جوهرية جدا في هذا المجال , و لم نجد لها إجابة , مثل ما هو الشيء الذي يجعلنا نظر إلى الكائن الحي كله , و ليس مجموعة من الأجزاء المكونة له و حسب ؟ , و ما الذي تعنيه تلك الفكرة الغامضة , و التي نعبر عنها في (الكل) (Wholeness) , أو التفرد (Individuality) , و حتى لو أمكن تفسير كل فاعلية أو نشاط يقوم به الجسم الحي , عن طريق التغييرات الفيزيائية و الكيميائية داخل الجسم , إن ذلك يعطينا الإجابة المطلوبة , ما لم يؤخذ في عين الإعتبار (النظام الغذائي) (Purposive order) , لقد كان البروفسور (وايت هيد) (White Head) , منصفا عندما أشار إلى هذه الحالة في حديثه عن تطبيق أفكار الفيزياء و الكيمياء على الحياة , و قال " لا بد من الاعتراف في أن هذا الأسلوب , و يقصد تطبيق أفكار الفيزياء و الكيمياء على الظواهر الحية , قد لاقى نجاحا مرموقا , و لكن المشكلة هنا في فهم العمليات التي يقوم بها الجسم الحي , و لا يمكن أن تحدد في واسطة الاسلوب الذي تعالج به هذه الظواهر .
و قد اجرى العالم (ماني) (Many) , تجارب طويلة في قصد تعزيز الاعتقاد في أن العمليات التي يقوم بها الجسم الحي ليست مستوحاة من فكرة الغاية , و امضى (ماني) وقته في إثبات أن فكرة الغرض أو الغاية ليست ذات الموضوع الذي يتلقي في تفسير النشاط الجسدي لدى الكائنات البشرية , و ثمة سبب آخر في استبعاد فكرة العلة النهائية (Final Causation) , ألا و هي خشية الإنزلاق في التفسيرات السطحية , و هذا أمر صحيح في كل تأكيد , و العمل الجاد و الشاق من أجل تتبع سلسلة متلاحقة من الظواهر الفيزيائية , يمكن أن يفسده اقتراح سطحي يتعلق في العلة النهائية , مع أن حقيقة إدخال فكرة العلة النهائية في العلوم أمر له مخاطر جمة .
مع العلم أن نظرية الإنتقاء أو الإصطفاء الطبيعي , و على فرض التسليم المطلق بها , لا يمكن أن تفسر أو تبرر إلا على ضوء وجود علة أو قوة ما , و التي تسوق الكائنات الحية في سلم التطور و الإرتقاء صوب الأحسن و الأرقى , و هو الامر الذي دفع بعض العلماء إلى البحث في مفاهيم مثل , (القوة الحيوية) أو (قوة التحقق) أو (الروح) و غير ذلك , لكن هؤلاء العلماء لم ينجحوا في تعريف هذه المفاهيم , في حيث يتم استخدامها في الأغراض العلمية , و بقيت المصطلحات و المفاهيم شاهدا , على أن المفاهيم الأساسية الحاضرة في علم الحياة غير كافية .
و إذا كان التهام القطط للفئران لا يمنحنا قناعة ما , و هي الهدف من خلق و وجود هذين الطرفين , و إن بدء الحياة و العالم و التسلسل وفق ملايين العلاقات البنائية المركبة , و التي تستبعد وجود الصدفة نهائيا , لا يحل محلها إلا التصور في وجود مفتاح عظيم في هذا كله , و الغاية من وجود كل هذه العلاقات (الغائية) .
و قد آن الأوان للقول , أنه ليس ثمة حقيقة في ميدان من ميادين العلم المادي أو العلم الحيوي , يمكن أن يفسر فيها كل شيء في هذا العالم , و لكنها يمكن أن تفسر جانبا من جوانب هذا العالم , نعم , و لكن ليس كل هذا العالم في أي حال من الأحوال .
و في عالم اليوم مع زيادة معطيات العلم يوم بعد يوم , و خاصة في حقل الفيزياء و حقل الحياة , كانت قد تعرضت العلاقة بين المادة و الوعي إلى هزة قاسية , و أصبحت المادة ليست ذلك البناء المتماسك الصلب , و الذي ينعكس في شكل آلي و ضروري على العملية العقلية , و كل هذا أدى في دوره إلى ان البحث خلال عشرات السنين , و التي كانت هذه الأبحاث بسيطة و غير معقدة , و تعكس سهولة و بساطة معطيات المادة من حولها , و أن العلاقة بين الطرفين أصبحت في ضوء العلم الحديث أكثر صعوبة و تعقيد .
و إن المادة و الوعي هما بنائان في غاية التعقيد , و ليس هناك ضرورة هندسية محتومة , كي تكون العلاقة بينهما هي علاقة تأثير و حسب , سواء كان التأثير في ذلك الإتجاه أو في الإتجاه الآخر , من خلال مفهوم المنطق المادي , و الأحرى أن يقال في إن العلاقة بين الطرفين , هي علاقة أكثر إنفصالا , أو علاقة غير مباشرة مما كنا نتوهم , و هي العلاقة الاكثر استقلالية و و إن الإتجاه السائد في هذا المجال , أن العاقة بين المادة و الوعي هي علاقة منفصلة , و يحدث تقارب بين الطرفين كل يوم في نقطة ما , و العقل و المادة و الوعي و الوجود , تكون بينهم عمليات تبادل , عمليات أخذ و عطاء , و في الوقت نفسه تتحول هذه العمليات إلى انعكاس هندسي تام على الطرف الآخر .
و هي نفس النتيجة و التي توصل لها (كاريل) في (الإنسان ذلك المجهول) , في أن السيطرة على عينة من العالم المادي , من أجل و غرض فهم أساس و تركيبة هذه العينة , و هو أمر ممكن إلى حد ما , و أن السيطرة على عينة يدخل فيها الإنسان و العقل و الحياة و تصبح طرفا , تكاد تكون فهم أساس هذه العينة أمرا مستحيلا , و تكون النتيجة التي يمكن التوصل لها ضعيفة و غير منطقية أو غير مقبولة .
21\1\2016
----------------------------------------------------
Comments