حرب اللغات
- Maan Bayya
- Mar 30, 2019
- 4 min read
* مدخل إلى الموضوع
ثمة تمييز شائع في خطاب علماء اللسانيات , بين اللغة الحية , و اللغة الميتة , و هذا التمييز قائم أيضا في المعنى اللغوي العام بين هاتين العبارتين , إذ يبعث لفظ حي و لفظ ميت , في ان اللغة لها حياة , و الغة لها بداية ونهاية , و هي استعارة ظهرت في عناوين بعض الكتب , مثل كتاب الكاتب ويتني (Whitney),
في عام 1867 و كان عنوان الكاتب (حياة اللسان و موته) , و يحمل العنوان الرئيسي
(The life and Growth of language),
و عناوين هذه الكتب يوحي لنا في أن اللغات تحيا و تموت , مثل الكائنات الحية و الأجسام البيولوجية , لكن هذه الكتب لم تكن تبحث غالبا في مصير حياة اللغة , إلا من داخل اللغة نفسها , او من داخل بنية هذه اللغة .
* أسطورة التفوق
ثمة أمر بديهي , و هو أن حرب اللغات لم تكن لتكون لو كان العالم كله يتكلم لغة واحدة , و التعدد اللغوي هو أصل النزاع , و لا يعني هذا القول ان التعدد اللغوي هو السبب الوحيد للحرب , و لكن هو الشرط الضروري لحصول الحرب , و إذا نظرنا إلى خارطة العالم اللغوية , و بحثنا في الدول و في الحدود الجغرافية , و بحثنا عن الشعوب و عن لغاتهم , إننا سوف نجد انفسنا أمام شبكة معقدة و متداخلة و متعددة الطبقات , في الطبقة الأولى (الأشكال اللغوية) ذات الطابع المحلي , و في الطبقة الثانية (اللغة الإقليمية) على مستوى الإقليم , و الطبقة الثالثة (اللغة الوطنية) على مستوى الدولة , و الطبقة الرابعة (اللغة الناقلة) و التي تنتقل و تنتشر و تكون عابرة للاوطان , حيث تشكل كل هذه الطبقات نسيجا معقدا و متحركا .

* عالم متعدد اللغات
العالم متعدد اللغات و تلك حقيقة واقعة , و التاريخ اللغوي الذي هو مظهر من مظاهر تاريخ العالم , و ليس جزء كبير منه ليس سوى إدارة لهذا التعدد اللغوي , و ليس التعدد اللغوي , و خلافا لما يمكن للبعض أن يتصوره , أن لهذا التعدد وضع خاص , و ليس مقصور على مناطق محددة , و لا هو سمة من سمات العالم الثالث على وجه التحديد , و التعددية اللغوية لها قدر مشترك , و إن ظهرن هذه التعددية في أشكال مختلفة .
- الثنائية اللغوية و الإزدواجية اللغوية
لم يظهر مصطلح الإزدواجية اللغوية (diglossie), في علم و أدب اللسانيات , إلا في عام 1959 , حين استخدم عالم اللسانيات الامريكي (شارل فرغيسون), (Charles Ferguson), هذا المصطلح و المأخوذ من اللغة الإغريقية , و لأن هذا المصطلح لا يعني في اللغة الإغريقية سوى مفهوم الثنائية اللغوية , هذا المصطلح لدى (فرغيسون) , يكتسب معنى أدق من ذلك , و قد حدد الكاتب الإزدواجية اللغوية إنطلاقا من أحوال أربعة , و التي يعتبرها (فرغيسون) مثالية .
* أيدلوجية التفوق
يمكن ان نتصور أن الناس كانوا دائما في مواجهة الاختلاف اللغوي , هم ميالين إلى السخرية من عادات الآخرين , و إلى الاعتبار في أن لغتهم هي اللغة الأجمل , و هي اللغة الادق و الأنجع , و أنهم كانوا دائما ميالين إلى تحويل اختلاف الآخر إلى نقصان فيه , و كان من الممكن لفيلم (حرب النار) , و الذي نال شهرة واسعة عالميا في السنوات الىخيرة , لأان هذا الفيلم يقيم مواجهة بين جماعات و قبائل تتكلم لغات مختلفة , و أن يظهر على الشاشة أيضا النمط التالي من انماط الاختلاف اللغوي , في معنى أنت لا تتكلم مثلي , إذا انت تتكلم في صورة مضحكة , و كان من الممكن تخيل هذا كله , و ان نعيش و نحلم في حرب لغوية قبل التاريخ .
* ساحة المعركة
- لغة الحَصر و لغة النشر
تتوزع جميع الاشكال اللغوية و التي نستعملها , سواء كانت لغات مختلفة أو أشكال لغوية متددة من لغة واحدة , بين قطبين يجتمع تحت هذين القطبين عدد واسع من الوظائف , و هما قطب الجهة الناشرة من جهة , و هو القطب الذي يحدد الاشكال اللغوية التي نختارها , حين نريد التواصل مع اكبر عدد ممكن من الناس , و القطب الثاني هو قطب اللغة الحاصرة من جهة ثانية , و هو القطب الذي يحدد على عكس القطب الاول , الأشكال التي نقوم نحن في إتخاذها , حين نريد قصر التواصل على أقل عدد ممكن من الناس , و تحديد خصوصيتنا , و رسم حدود الجماعة , و التي نكون نحن جزء منها , و ينطبق هذان المفهومان (مفهوم الحصر , مفهوم النشر) على أوضاع التعدد اللغوي , و على أوضاع التوحد اللغوي في آن واحد .
- القطب الحاصر
لا نستخدم في معنى اللغة الحاصرة كلمة (Gre'gaire) و الماخوذة من الكلمة اللاتينية (Grex, Gregaris) و التي تعني القطيع , في دلالتها التحقيرية , و التي توحي بها الكلمة الفرنسية عموما حين يقال (غريزة قطيعية) (Instinct gre'gaire) , و لكن نستخدم هذا للتعبير عن فكرة التواطؤ , و اللغة الحاصرة , هي لغة جماعة صغيرة من الناس , و تقتصر على عدد محدود من البشر , و يتميز شكل هذه اللغة على إدارة الحد من انتشارها , كما هو الحال في التعبيرات المشفرة , أو لهجات الجماعات الخاصة .
- القطب الناشر
على الطرف الآخر من الوظائف اللغوية المتعددة , و جود القطب الناشر , و الذي يستجيب إلى إشكاليات مغيرة تماما إلى إشكاليات اللغة الحاصرة , و يسعى هذا النموذج الناشر إلى التقارب , و وظيفة هذا التقارب هو ولادة لغات خليط (Pidgin), و التي هي ثمرة من ثمرات الاحتكاك بين المتخاطبين , من أبناء اللغات المختلفة .
* موت اللغات
لا يستغرب أحد فكرة موت الغات , و في المعجم العام للغة يتم ذكر لكلمة (اللغة الميتة) , و التي تُعرف في القاموس , أن اللغة الميتة هي اللغة التي لم يعد الناس يتحدثون بها , و اللغة اللاتينية إذا لغة ميتة , في معنى اننا لا نستخدمها في الشكل , و الذي كان يستخدمها يوليوس قيصر , و لكن هذه اللغة حية في نعنى , أن هذه الغة اللاتينية تمتد عبر اللغات الرومانية , و التي ظل الأشخاص يتخاطبون فيها سنوات طوال يظنون أنهم يتحدثون اللاتينية .
* المقاربة اللسانية الإجتماعية
من الواضح على هذا الصعيد أن فكرة وجود لغة عالمية يتعلمها جميع الناس , و تكون في مثابة لغة ثانية تنطلق من مبادئ عامة يمكن احترمها , كما أن من الواضح أيضا ان أنصار (إسبرنتو) , لا يدافعون عن مصالح خاصة لهم , و خلافا لما هو عليه الحال في جميع الحركات الفكرية .
حرب اللغات و السياسات اللغوية
لويس جان كالفي
La Guerre des langues et les politiques linguistiques
Louis Jean Calvet
Comments