top of page
Post: Blog2_Post

فلسفة العمل

  • Writer: Maan Bayya
    Maan Bayya
  • Jan 12, 2019
  • 7 min read

بعد أن اقصى العلم من مجاله كل اهتمام اخلاقي شرعي يستند إلى موهبة , هذه في جلاء هي حالة المذهب الإنساني التطوري , لدى (جوليان هكسلي) , J.Huxley و هو ينطلق من موضوع يقول , في أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد , الذي لا يزال قادرا على التطور , و هو لا يتردد في أن يعزو هذا التطور إلى الإنسان نفسه , و يقول أيضا , " إن اقدس واجبات الإنسان , لا بل و الأكثر جدارة في الوقت ذاته , إنما يتمثل في تيسير و تحقيق الحد الأعظم من المسيرة التطورية فوق هذه الأرض " .

و تسود فكرة مذهب إنساني موسع , يجعل الروحانية تنبعث في المجال العلمي , حيث آثار (بيير تيار ديشاردان) , P.Thillard de Chardin و قد اوضح أشد الايضاح جوهر العمل الإنساني , و جعل هذا العمل يحمل دلالة لا ينضب لها معين , و عنده القوة الصاعدة في تاريخ الأرض , و هي التي تحدد هذا التاريخ , و عندما انبثق الإنسان في عالم خالي من النظام و التماسك , ادخل إليه الإنسان الذكاء الموجه , و في فضل جهود الإنسان المستمرة , تحولت (دائرة الحياة) في شكل تدريجي إلى (دائرة الفكر) , و على خلاف الحيوانات , التي يمكن أن توجد في كل مكان , و لكن بدون أن تتوصل البتة إلى الانتظام في سلك وحدة بيولوجية عابرة للقارات , لم يكفي و الإنسان , و منذ البقايا الأولى إلى اكتشاف الأدوات و النار التي نعرفها , في أن ينسجم فوق (دائرة الحياة) القديمة , و عندما انتصر الفكر البشري على المادة , أخذ يتطلع إلى التطور الكوني .

لقد اصاب النقاد في ابراز تخبط الإنسان الحديث , الذي تُرك في عالم بدون مفتاح , مع حرية بدون مضمون , و عندما تحرر الإنسان من الخضوع إلى معايير الطبيعة , لم يعرف أي معنى يضيفه على إنتصاره على الطبيعة , و تحويل المواد الأولية الخام في هذه الطبيعة إلى فائدته .

و الواقع أن التقدم العلمي و التقدم المادي لا يقود الإنسان إلى أي مكان , إلا إذا كان هذا التقدم العلمي و المادي مرتبط في تقدم اخلاقي , يحض الإنسان على استخدام قدراته المتزايدة في الإنفتاح و العمل الإنساني , و فتح المصير الإنساني في موهبة تنهض به , و تتجاوز النشاط المبدع المحض في فاعلية تبتغي تكامل العالم .


* تقدم العمل

يعمد الإنسان إلى التأثير في الطبيعة في دافع الضرورة , و التي تدفعه إلى تلبية حاجاته , و من أجل ارضاء هذه الحاجات , و قد ظل الخلاف آلاف السنين وثيق الإتصال في الوسط الطبيعي , و الفلاح يحيا و يعيش في حسب أيقاع فصول السنة , و يشعر في تعاطف عميق نحو العالم النباتي و العالم الحيواني , و الصانع اليدوي يألف خصائص المادة , و يستخدم تأثير العناصر الطبيعية .

و قد تلاشى اليوم هذا النسيج الموحد , و انتهى الاتساق الكلي , الذي كان يكتنف الإنسان , و ظهر العالم التقني و التكنولوجي , و بدا هذا العالم منفصل عن العالم الطبيعي , و لا يجد فيه الإنسان إلا ذاته , و هنا بدأ الإنسان يشعر في انطباع أنه منفي عن الطبيعة , و بعد فصل كل صلة بين الإنسان و الطبيعة , و الذي كان متماسكا من قبل , ثم شعر الإنسان نفسه في ابتعاد العالم التقني عنه , هنا يجد الإنسان نفسه حائرا , الطبيعة لا ترغب به , و العالم التقني يتقدم و يسبق الإنسان , و لا يستطيع هذا الإنسان مواكبة هذا التقدم , هنا العالم التقني يرفض هذا الإنسان .

و يبدو أن جهلنا لا يحول دون إعلامنا , و نحن و إن وجدنا مفهوم الإنسان قد تم إقصائه عنا , و نحن ندرك في ذلك على نحو أفضل , إطار هذا المفهوم , و هو الإنسان , و من البديهي أن الطبقة العليا , و التي تسود هذا العالم التقني , لا يمكن أن تنطبق على الإنسان الذي ابدع هذا العالم .

و في اواخر القرن الثامن عشر , عندما اخذت الثورة الصناعية تتجلى في دقة , ظهرت أهمية العمل الرئيسية ظهورا ملحا , و قد تنبأ في هذا التقدم كتاب (آدم سميث) , A.Smith و عنوان الكتاب (بحث في طبيعة ثروة الأمم و أسبابها) 1776 , و قد لاحظ المؤلف أن ثروات الأمة تنتج عن العمل , و هذا يعتبر وعي ثوري , ما دام الاقتصاد السياسي , و الذي كان قبل (آدم سميث) , يعتبر أن الثروات الوحيدة لدى أي أمة , هي قيمة ما تملكه هذه الأمة من الذهب و الفضة , و كان هذا الاقتصاد يقتصر على تعليم فن إدارة الأموال الخاصة .

و على الرغم من ذلك ظل الباحثون , لا يكادون يعترفون في علاقة العمل مع الإنسان , و العمل في وجهة نظر (آدم سميث) , لا يتبع الإدارة الإنسانية , و هذا العمل يتحول و ينحل إلى نوع من التفاعل الطبيعي , و يخضع إلى قوانين صارمة , أما تقسيم العمل , و هو عوضا عن مفهوم العمل , يجب أن يعكس مفهوم التعاون و التضامن بين البشر , و ينتج عنه علاقات اقتصادية مستقلة , و على هذا إن الاعتراف في العمل , كان يتم على حساب حرية الإنسان و كرامته .


* تعريف العمل

من شأن تنظيم العمل , أن ينزع حتما إلى تفريق الفكر الذي يأمر عن اليد التي تنفذ , و لكن هذا التفريق ليس في الضرورة انفصاما , و إن مجتمع الصناعة اليدوية أو الحرفة , يوحد صاحب العمل مع المنفذ إلى هذا العمل في مشروع مشترك , و هنا يلتقي الإبداع و العمل مباشرة داخل عالم يسوده اتصال الجميع .

و الخطر الأساسي الذي يهدد به العصر الحديث , هو اختفاء الصناعات اليدوية , و التي يتعاطف معها الإنسان في كل جوارحه و فكره , و التقدم الفكري هو نتيجة العمل اليدوي , و أن اليد هي التي تقود الفكر , إلى الوعي في القوانين التي تسيطر على الطبيعة , و كل نصر يأتي عن تحويل المادة الخامة الأولية و القاسية , هو يمثل اكتشاف مبدأ عمل جديد , مثل تعليم التلميذ تداول الأدوات و قص و تنظيف الأشجار أو صقل الأحجار , و ما دام النشاط العملي و الجهد البدني , هو منطلق نظرية العمل .

و العمل في الفعل الذكي , و الذي يتناول فيه الإنسان المادة , و هو أيضا ما يميز به الإنسان عن سائر الكائنات الحية , هذا من وجهة نظر الاقتصاديين , و ما هي رسالتنا على الأرض , إلا أن نتعلم كيف نعمل ؟ .


* الغاية من العمل

ارادوا تعريف الاقتصاد السياسي , إنه العلم الذي يبحث في تضيق الهوة بين الإنسان و الطبيعة , و ما يلفت الإنتباه في الحقيقة , هو مشاهدة عدم تكيف الحاجات البشرية مع الوسط الطبيعي .

و هل تكون اللائمة على النقص الفيزيائي لدى الإنسان , و هو ما يمنع هذا الإنسان , عن الاستمتاع في هذا الوسط الطبيعي , مثل سائر الكائنات الحية الآخرى , إن الغريزة التي تسود حياة الحيوانات , و تتيح إلى هذه الحيوانات أن تبقى وثقة الصلة مع الطبيعة , تظل هذه الغريزة لدى الإنسان حبيسة حدود ضيقة جدا .

و تنطلق من هذا الإنسان الطبيعي , الفلسفة الحيوية و التي تبرهن على أن الإنسان هو مجرد كبوة أو حجر عثرة في درب الحياة , و أن الإنسان نفسه يعجز عن التكيف مع الطبيعة , و لذا يطلب من فكره أن يبقى راقدا , و مع ما يسد به نقص الوسائل العضوية , و الإنسان هارب من الحياة , و هو لاجئ إلى التجريد , و أن الذكاء التقني , و الذي يملكه الإنسان ينسف القيم الشخصية و القيم الغريزية جميعا .

و أن الإنسان الصالح يكتشف في نهاية الأمر , على أنه قدرة شيطانية هدامة إلى الطبيعة , و هو يبتر كل العرى الوثيقة بين الحياة الإنسانية و الطبيعة .


* انخلاع العمل

إن العمل هو الذي يحدده الإنسان في الإضافة إلى الطبيعة , و في الإضافة إلى سائر الكائنات , و أن دور الإنسان يقوم من جهة اولى , على تحريرنا من عتبة الوجود الطبيعي , كي يقودنا إلى شطر العالم الإنساني , و من جهة آخرى , يقودنا إلى بلوغ حياة اجتماعية , يكون فيها الأساس هو الوجود الإنساني , و على هذا النحو , يشق العمل امامنا درب الثقافة و التضامن الإنساني , و يزداد خطر هذا الإنخلاع عن العمل مع وجود العالم التقني و التكنولوجي , و أن إزدياد عالم المادة و الأشياء أهمية و غنى , و هنا يفقد العامل من قيمته الإنسانية , و أن هذا العامل مضطر إلى التضحية في حياته و عمله , من أجل صالح قوة غريبة , هي قوة التكنولوجيا , و ينجم عن حرمان العامل من عمله , حرمانه من جميع صفاته الإنسانية في المعنى الصحيح إلى الكلمة , و أن هذا العامل يتم معاملته في نهاية الأمر , و كأنه مجرد قوة فيزيائية , تمثل ذروة العبودية .


* حضارة العمل

من شأن كل تعريف أن ينطوي على نوع من الإهمال , و أن يخالف التنوع اللانهائي إلى الواقع , و السعي وراء حبس هذا التنوع داخل صيغة , و لا يفلت مفهوم حضارة العمل من هذا العيب , و كل حضارة تستند إلى عدد من القيم , و التي ليست في الضرورة متناسقة مع بعضها البعض , و على نحو أنها تقبل في وجود أو قيام قاسم مشترك بينها , إضافة على ذلك , إن النظام الاقتصادي و النظام الاجتماعي , هما الذان يولفان المجال الخاص في العمل في المعنى الدقيق .

و على الرغم من ذلك , إن الموقف التفكيري أو الموقف الفكري , و الذي ينطلق من الفاعلية الإنسانية , و الذي يتيح الصعود إلى الإنسان ذاته , ليس في مكسب حققته الفلسفة الحديثة , و قد مارسه سقراط سابقا , و هو يقول , " إن طبيعة الفعل الخاصة تتبع الغاية , التي يرمي إليها , و الفكرة هي التي تسبق الصورة و المعرفة , و الفكرة هي التي تقدم التفنيد , و الإنسان ليس أعقل الحيوانات , لأنه يملك يدين , بل لأن الإنسان له يدين هو أعقل الحيوانات , و لولا العقل لما كانت اليدان خيرا له , و ماذا تنفع اليدان لدى الثور ؟ .

لقد ارتدى العمل في عصر التقنية سمة النفعية في اطراد مستمر , و أن جميع الحاجات اليومية , من أبسط الحاجات إلى أعلى الحاجات من الناحية الروحية , سوف تجد ما يتم التعويض عنها في واسطة أشياء مصنوعة في طريقة تقنية , و أن تعقد التجهيز التقني و الثقافي الموضوع تحت تصرفنا , يبلغ حدا يحجب عنا وحدة الوحي و الإلهام و التفكير .


فلسفة العمل

هنري أرفون

LA PHILOSOPHIE

DU TRAVAIL

Henri Arvon


 
 
 

コメント


Subscribe Form

Thanks for submitting!

00962786420324

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn

©2018 by Maan Bayya Educational Website. Proudly created with Wix.com

bottom of page